تحضر هذه الأيام، العائلات الامازيغية خاصة الواقعة في المنطقة الشمالية لعاصمة الولاية، على غرار امزراراق جعافرة، تزلامت، بوندة، الماين، ثنية النصر، وكذا بعض المناطق في الجهة الغربية بسيدي إبراهيم، لانطلاق جني الزيتون الذي يعتبر مصدر رزق الكثير من العائلات الفقيرة بهذه المناطق.
وقبل البدء في جني وجمع الزيتون، تُحيي العائلات بامزراراق، عادة "لوزيعة"، هذه التظاهرة الثقافية التقليدية الشعبية، الموروثة عبر الأجيال، لا تزال تنظم إلى يومنا هذا، وتعد شكلا من أشكال التآزر والتضامن، أين يتم ذبح عِجل يشترك في شرائه سكان القرية، ويتم توزيع لحم هذا العِجل على جميع العائلات خاصة ذات الدخل المحدود والفقيرة.
وبعد تنظيم عادة " لوزيعة " بامزراراق ، يشرعون في الجني التي يشارك فيها الكبار والصغار من نساء ورجال وأطفال، بالاتجاه نحو الحقول والمزارع (إحرقان)، بمساعدة كل أفراد العائلة حتى مساعدة أفراد العائلات الأخرى عن طريق ما يسمى بالتويزة (المعاونة)، وهي أن تستدعي عائلة ما جني محصولها أفراد العائلة الأخرى من أجل مساعدتها في العملية، حيث تتولى العائلة المستضيفة تحضير طبق الكسكسي لإطعام العائلة التي تساعدها كما تطعم أيضا عابري السبيل.
ويحدد مقابل هذه المساعدة حسب المتفق عليه بين العائلتين بامزراراق ، فإن كانت العائلة المدعوة لا تملك أشجار الزيتون، فالمقابل يكون بإعطائها زيت الزيتون بعد عصره، وإذا كانت تملك فإنها ستقوم هي الأخرى بمساعدتها في عملية جني محصولها هذا ما يخلق جوا من التعاون.
وفي نفس السياق، توجد عائلات امازيغية تركت منازلها في الريف بسبب عملهم في المدينة أو في وهران والعاصمة، وكذا لأسباب أخرى، فعند قرب موعد جني الزيتون، يتجهون نحو ممتلكاتهم وهناك من يعطي أشجاره للسكان القاطنين بالريف لجني الزيتون، وفي الأخير يتقاسمون المحصول بالتساوي.
وعن طريقة الجني، فهناك من يفضل الطرق التقليدية كضرب أغصان الشجرة بعصا من الحطب "انزل"، ليتم جمعه حبة حبة بالأيدي، وذلك للحفاظ على سلامته ويتم وضعه في أكياس، وتحتاج هذه العملية إلى أيدٍ كثيرة، وهناك من يفضل الطرق الحديثة عن طريق الآلات والأمشاط والمواد الكيميائية، وتتم برش شجرة الزيتون بهذه المواد ونفض وتحريك الشجرة لتسقط حبات الزيتون بسهولة لكن هذه الطريقة لا تستعمل كثيرا لتخوفهم من فساد المحصول.
أما عن أنواع أشجار الزيتون الموجودة بامازيغ بالبرج، والتي تقدر مساحتها بـ13142 هكتار، أي ما يعادل 789 ألف شجرة زيتون من نوع "أشملال"، وهي حبات صغيرة وأجراز (حبات كبيرة الحجم) بالمناطق الشمالية للولاية وكذا في العش.
وحسب ما أفادتنا به الحاجة يمينة نزي مولو، القاطنة بقرية امزراراق ببلدية الماين، فإن نوع"أعيذل" يعطي زيتا ذو نوعية رفيعة وهو ما تشتهر به هذه المناطقة.
وبعد جمع الزيتون ووضعه في الأكياس، يتم نقله إلى المعصرة لعصره، وذلك بعد غسله ونزع الشوائب والأوراق، وعادةً يفضل سكان البرج، تركه الزيتون إلى فصل الربيع للقيام بعصره، وذلك بعد أن يجفّف جيدا. وتتوزع معاصرة كثيرة بالمنطقة، حيث يقدر عددها بـ94 معصرة، منها 6 معاصر حديثة والباقي كلها قديمة.
وتتميز المعصرة القديمة عادةً باستعمال وسائل يدوية، أين يتم فيها عصر الزيتون بالأحصنة المربوطة بما يسمى "إيغوراف"، ثم وضعه بداخل القفف التي يصل عددها إلى عشرة، ثم يُعصر فينتج لنا زيت الزيتون الصافي ذو لون ذهبي، وزيت ذو لون بني يسمى "أمورج".
ويتم بعد ذلك حفظ هذا الزيت بداخل ما يسمى بـ"أشبايلي"، وهو عبارة عن قِدر كبير مصنوع من الطين، فيُحفظ فيه الزيت لمدة طويلة، وهناك من يعبئه بداخل قارورات مختلفة الأحجام.
ويدخل السرور والفرح العائلة عند عصر الزيتون والحصول على الزيت، والذي تقوم ربات البيوت بطهي مختلف الأُكلات بزيت الزيتون، ويُعد "البغرير" أو كما يُطلق عليه "ثيغريفين" أو "ثيبوعجاجين"، الأكلة الأولى، وذلك بحضور كل الأفراد، حيث يتم دهنها بالزيت الجديد.
كما تقوم بعض العائلات، بتبادل الأُكلات التقليدية المختلفة التي تعرف بها منطقة امزراراق، كالمطلوع والكسكسي، أملا في أن تثمر الأشجار من جديد في موسم آخر، ليبقى جني الزيتون عملية وعادة تتوارثها الأجيال في مختلف المناطق التي تتواجد فيها الشجرة المباركة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire